نصيحة للمرأة المسلمة

صالح الفوزان

نصيحة للمرأة المسلمة - صالح الفوزان
نصيحة للمرأة المسلمة - صالح الفوزان

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

وبعد : فقد رأى الإخوة المسؤولون عن الدعوة أن تكون المحاضرة في موضوع نصيحة للمرأة المسلمة وهذا لا يعني أن المحاضرة خاصة بالمرأة ، بل هي عامة ولكن يكون التنبيه فيها على ما يختص بالمرأة أكثر ، ولا شك أن الرجل أيضا مسؤول عن المرأة فإن الله – سبحانه وتعالى – : يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا وقال – سبحانه وتعالى – هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا .

فالحكمة في ذلك من أجل أن يسكن إليها ويأنس بها ويطمئن إليها في أسراره وفي أموره ؛ لتعينه على مشاق الحياة ؛ وينشأ منهما ذرية صالحة ، قال – سبحانه وتعالى – : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

فهذا من آيات الله ، أي : العلامات الدالة على قدرته سبحانه ورحمته ، وعلى استحقاقه للعبادة وحده لا شريك له والله – سبحانه وتعالى – كون المجتمع البشري من الرجال والنساء ، قال تعالى : يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ .

فاجتماع الرجل والمرأة على العلاقة الشرعية من نعم الله – سبحانه وتعالى – ؛ لأنه يترتب عليه مصالح عظيمة من أهمها بناء المجتمع وتكوين الأسر وعمارة البيوت . فهذا من نعم الله عز وجل . فمن هنا فإنه يجب الاهتمام بالمرأة من ناحية توجيهها وإرشادها ، ومن ناحية اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين ، ومن ناحية التعامل معها لئلا يستغل الرجل سلطته عليها فيظلمها أو يهضمها ، قال تعالى : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وقال تعالى : فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ .

فعلاقة الرجل بالمرأة علاقة وطيدة ، ويجب أن تكون هذه العلاقة مبنية على ما شرعه الله – سبحانه وتعالى – من العشرة الطيبة والرعاية الكريمة والمعاملة الحسنة ، وكذلك من ناحية المتعة الزوجية بأن تكون وفق ما أباحه الله – سبحانه وتعالى – نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ .

فمن هنا تظهر لنا أهمية هذه المرأة في المجتمع ، فإن المرأة قرينة الرجل وشريكته ، ومنذ أن خلق الله الإنسان الأول وهو آدم عليه الصلاة والسلام خلق له المرأة ، وكذلك لا تزال سنة الله عز وجل كما هي إلى أن تقوم الساعة سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا .

والله – سبحانه وتعالى – أوجب على الرجال طاعته وعبادته ، وأوجب على النساء كذلك طاعته وعبادته وحده لا شريك له ، ووعد المحسن من الصنفين بالأجر الجزيل ، وتوعد المسيء من الصنفين بالعذاب والعقوبة فالرجل والمرأة سواء من ناحية التكاليف الشرعية في الجملة .

وإن كانت المرأة قد تختص بأشياء دون الرجل من التكاليف الشرعية ، ولكن في الجملة الرجل والمرأة سواء في عبادة الله وفي طاعة الله وفي الثواب وفي العقاب ، قال تعالى فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ .

فمن الرجال مؤمنون ومسلمون ، ومن النساء مؤمنات ومسلمات ، ، ومن الرجال مهاجرون ومن النساء مهاجرات ، وهم في الأجر سواء في ذلك ، وقال – سبحانه وتعالى – مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .

وقال تعالى إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا .

فوعد الله – سبحانه وتعالى – كلا من الجنسين الذكور والإناث وعدهم المغفرة والأجر العظيم على هذه الصفات التي ذكرها – سبحانه وتعالى – . وكما أنه أمر الرجال أمر النساء ، قال تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ .

فأمر الرجال بغض البصر عما حرم الله – سبحانه وتعالى – كالنظر إلى النساء والنظر إلى وسائل الفتنة من الصور الخليعة التي حرم الله النظر إليها . كذلك النظر والاطلاع على عورات الناس في بيوتهم وهذا حرام على الرجال والنساء ؛ لأنه يجر إلى الوقوع في الفاحشة ، والله – سبحانه وتعالى – إذا حرم شيئا حرم الوسائل التي تفضي إليه ، ومن ذلك النظر ؛ لأنه وسيلة فالعينان يزنيان وزناهما النظر .

والنظر سهم مسموم من سهام إبليس إذا أرسله الإنسان ، فإنه سهم ، يعني : قذيفة مسمومة تقتل صاحبها . هذا السهم يرجع إلى قلب الناظر .

النظر سهم مسموم يرجع إلى قلب الناظر ويطعنه في قلبه فيؤثر فيه أو يقتله ويميته فلا ينظر كل منهم إلى ما حرم الله ، خلق هذا النظر وهذا البصر نعمة يستعملها الإنسان فيما أباحه الله له ، ويستعين به فيما أباح الله له ، ويكفه عما حرم الله عليه ، فقال تعالى في حق الرجال : يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وقال في حق النساء : يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وقال في حق الرجال وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ وقال في حق النساء : وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ .

فيحفظ الرجل فرجه وتحفظ المرأة فرجها من الحرام فلا تتسبب أو يتسبب الرجل في الوقوع في الفاحشة ، وذلك بالستر الكافي الذي يمتنع النظر إلى العوارت . وحرم كشف العورات ؛ لأن كشف العورات من الرجال ومن النساء فتنة ويوقع في الشرك والله خلق هذا اللباس للرجال وللنساء نعمة منه – سبحانه وتعالى – يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا يعني : عوارتكم وَرِيشًا يعني زينة وجمالا .

فاللباس خلقه الله لحكمتين عظيمتين . الحكمة الأولى : ستر العورات . والحكمة الثانية : ما فيه من الزينة والجمال والتجميل وَرِيشًا ، ثم أرشد إلى لباس أو نبه على لباس أعظم من اللباس الذي يلبس على البدن وهو لباس التقوى وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ .

فالرجل والمرأة كل منهما يستر عورته بالستر الضافي ؛ لأن في ذلك محافظة على الأخلاق . أما التهتك والعري فإنه سبب لفساد الأخلاق وضياع الأعراض وانتشار الفاحشة ، أما إذا سترت العورات بالستر الذي أرشد الله تعالى إليه من الرجال ومن النساء فإن في ذلك حفظا للفروج من الزنا واللواط ، وحفظا للفروج مما لا يحل مما حرم الله – سبحانه وتعالى – .

ثم خص النساء بأمر دون الرجال فقال وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ أمر النساء بالحجاب الضافي على الأبدان وكفاها وقدماها وجميع جسمها وكذلك شعرها ، تستر عن الرجال الذين هم ليسوا من محارمها وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ، أي : لا يظهرن الزينة سواء الزينة الخلقية وهي زينة الجسم من الوجه والكفين وغير ذلك . أو الزينة المصطنعة أو المجلوبة كالحلي والخضاب والكحل وغير ذلك .

والمرأة مأمورة أن تستر زينتها الجسمية وزينتها المجلوبة المصنوعة التي تتزين بها في جسمها من الأصباغ والحلي والكحل وغير ذلك إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وهو الثياب على الصحيح ، أي ظهر بنفسه ولم تظهره وهو الثياب التي ليس فيها فتنة . ثم قال وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ والخمر : جمع خمار ، وهو الغطاء ومنه سمي الخمر خمرا ؛ لأنه يغطي العقل ، والخمرة يعني : السترة وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ .

أمرهن الله جل وعلا أن يضربن بالخمر التي على الرؤوس . والخمار : ما تضعه المرأة على رأسها . أمرها أن تضعه على نحرها و وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وهي فتحات الجيوب التي في الثياب يظهر منها النحر لا تترك المرأة هذا باديا للرجال وإنما تدلي عليه الخمار ؛ لأنه إذا أمر بستر النحر فالوجه من باب أولى ، لأنه يلزم من ضرب الخمار على الجيب أن يمر بالوجه ؛ لأن الخمار على الرأس ، فإذا أرسل على النحر فيكون مارا بالوجه .

يوضح هذا قول عائشة – رضي الله عنها – : كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزنا كشفناه وكذلك قوله تعالى يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ .

والجلباب : هو الثوب الكبير الذي تلتحف به المرأة ، وما يسمى الجلباب الكبير الذي يكون على المرأة فوق ثيابها أمرها الله أن تضفيه على وجهها حتى لا يبدو من المرأة شيء يفتن الناس يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ .

فهذا أمر للمرأة بالحجاب على الجسم وعلى جميع المفاتن التي يخشى منها الخطر . قال تعالى وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ .

المراد بذلك : أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن الآية عامة فهي لفظها خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن معناها عام لجميع النساء ؛ لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم قدوة للمؤمنات ، والله علل ذلك بعلة شاملة ، وهي قوله : ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ .

فأمر أن يسألن من وراء حجاب . والحجاب المراد به : الساتر للمرأة من الثوب ومن الجدار أو الباب أو أي شيء يستر المرأة عن الرجل حينما يخاطبها أو يسألها عن شيء أو تناوله شيئا ، يكون ذلك من وراء حجاب ، أي : من وراء ساتر ، فلا تناوله الشيء وهي غير متسترة أو هي بادية ظاهرة ، بل تكون من وراء ساتر يسترها من ثوبها أو من بابها أو من جدار إلى غير ذلك ؛ لأن في ذلك ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ من الفتنة ، فإنه إذا تحجبت النساء ولم يقع نظر الرجال عليهن سلمت من الفتنة قلوب النساء وقلوب الرجال ، وهذا واضح في مجتمع المسلمين المحافظين على الحجاب .

والمجتمع المحافظ على الحجاب في عافية من فساد الأخلاق ، وإنما تأتي المفاسد وطمع الرجال بالنساء مع عدم الحجاب ، وقوله تعالى : ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ، علة عامة لجميع الأمة ؛ لأن الحجاب فيه طهارة لقلوب الرجال وقلوب النساء على حد سواء ، وهذا من سد الطرق التي تفضي إلى فساد الأخلاق من حيث أن كلا من الرجل والمرأة يسلم عرضه ويسلم قلبه من الفتنة ، ومن سد الطرق المفضية للفتنة منع المرأة أن تسافر وحدها بدون محرم ؛ لأن المحرم إذا كان مع المرأة فإنه يصونها ويحميها ويقوم بمصالحها ، قال صلى الله عليه وسلم : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين إلا مع ذي محرم

وفي رواية : يوم وليلة وفي رواية : أن تسافر بدون تحديد .

فالمقصود : أن المرأة لا تسافر وحدها بدون محرم ، فإن سافرت بدون محرم فهي عاصية لله ولرسوله ، مرتكبة لما حرم الله ومعرضة نفسها للفتنة وهذا عام في كل الأحوال وفي كل الأزمان .

أما ما يقوله بعض الناس من أن المرأة إذا سافرت مع جماعة نساء فإن هذا يكفي عن المحرم ، فهذا قول معارض لقوله صلى الله عليه وسلم : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم .

وجماعة النساء لسن محرما للمرأة . محرم المرأة معروف ، وهو من تحرم عليه من الرجال بنسب أو سبب مباح كأبيها وابنها وأخيها وعمها وخالها . . أو بسبب مباح من مصاهرة كأبي زوجها أو ابن زوجها . . أو برضاعة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .

فمحرم المرأة هو الرجل الذي تحرم عليه بنسب أو بسبب مباح . ولا بد أن يكون هذا التحريم على التأبيد ، يعني : دائما يخرج بذلك التحريم المؤقت مثل أخت الزوجة وعمة الزوجة وخالتها . ولكن هذا التحريم مؤقت فلذلك لا يكون محرما لأخت زوجته وإن كانت تحرم عليه ؛ لأن هذا التحريم مؤقت . وكذلك لا يكون محرما لخالتها ولا لعمتها هذا هو المحرم أما الجماعة من النساء فليست محرما ، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم اشترط المحرم لسفر المرأة في كل الأحوال ، سواء سافرت على قدميها أو على دابة أو على السيارة أو على الطائرة ؛ لأن من الناس اليوم من يقول : إنها إذا سافرت بالطائرة ويودعها محرمها في المطار ويستقبلها محرمها الآخر في المطار الآخر فلا بأس بذلك . نقول : لا . هذا لا يجوز ؛ لأنها سافرت بدون محرم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحل لامرأة أن تسافر مسيرة يومين إلا مع ذي محرم سواء في الطائرة أو في السيارة أو على الدابة فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يفصل والعلة موجودة . الفتنة تخشى عليها وهي في الطائرة . فالفتنة غير مأمونة ولو كانت في الطائرة .

ثم افرض أن الطائرة مثلا اعتراها ما يعتريها من تغيير مسارها إلى بلد آخر فمن يستقبلها في البلد آخر ، فلا بد من وجود المحرم مع المرأة ، حتى إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وإن امرأتي خرجت حاجة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ارجع فحج مع امرأتك .

النبي صلى الله عليه وسلم رد هذا الرجل من الغزوة ، ليصطحب امرأته في الحج ويكون محرما لها فهذا دليل على اشتراط المحرم لسفر المرأة في الحج أو لغيره سواء كانت مع مجموعة أم لا ولهذا ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى أن من شروط وجوب الحج على المرأة توفر المحرم فإذا لم يتوفر لها فإنه لا يجب عليها الحج حتى يتوفر لها المحرم .

وكذلك حرم الإسلام خلوة الرجل بالمرأة ، بأن يكون هو وإياها في مكان خال ليس فيه غيرها ؛ لأن ذلك مدعاة لوقوع الفتنة ، قال صلى الله عليه وسلم : إياكم والدخول على النساء ، قالوا : يا رسول الله ، أرأيت الحمو ، يعني : قريب الزوج ؟ قال : الحمو الموت يعني : أن خطره أشد ، لماذا ؟ لأن أقرباء الزوج يقل التحرج عنهم بخلاف غيرهم ، فإن التحرج عنهم ميسر . لكن قريب الزوج يحتاج إلى احتياط وإلى حذر .

وما نسمع الآن من بعض الجهال أن أخ الزوج وعم الزوج وقريب الزوج له أن يسلم على المرأة ويصافحها ويخلو معها ويدخل معها ويدخل عليها هذا كلام باطل . لا يجوز لغير المحرم أن يدخل على المرأة ولا أن يصافحها ولا أن يخلو بها إلا إذا كان بالبيت من تزول به الخلوة ، أما أن يدخل على المرأة في بيت ليس فيه غيرها وهو ليس من محارمها فهذه خلوة محرمة وخطر .

أو يدخل عليها في غرفة خالية ليس فيها غيرهما فهذا لا يجوز ؛ لأنه سبب لوقوع الفتنة ، ولو كان هذا الرجل الذي في المكان طبيبا ، كما قال صلى الله عليه وسلم : لا يخلون أحدكم بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما يعني : الشيطان يحضر ويزين لهما الوقوع في الفاحشة ؛ لأنه يدعو إلى الفتنة وينتهز الفرصة فيوقع بينهما الفساد . ولأجل قطع الطريق على الشيطان وعلى أعوانه وعلى الفساد منع الشارع خلوة الرجل بالمرأة .

ومما جد في وقتنا هذا من الخلوة المحرمة ركوب المرأة وحدها مع السائق الذي ليس من محارمها يذهب بها إلى المدرسة وإلى السوق ، حتى ولو إلى المسجد لا يجوز هذا . . لا يجوز للمرأة أن تركب في السيارة وحدها مع سائق ليس محرما لها ؛ لأن هذا من الخلوة المحرمة .

والخلوة محرمة ، سواء كانت في المنزل أو في السيارة أو في أي مكان هذا مما يجب أن تحذر منه المرأة المسلمة خصوصا في وقتنا هذا الذي كثر فيه خروج النساء لأعمالهن أو للأسواق أو لزيارة أقاربهن أو غير ذلك .

وكذلك على المرأة المسلمة أن لا تكثر من الخروج من البيت إلا لأجل حاجة لا تنقضي إلا بخروجها ، ولكن تخرج متسترة وغير متطيبة ؛ لأنها إذا خرجت متطيبة فإن ذلك سبب لوقوع الشر وجلب الأنظار إليها ونظر الرجال إليها ومتابعتهم لها .

فمهما أمكن أن تبقى المرأة في بيتها فهذا أحفظ لها ، قال الله – سبحانه وتعالى – لنساء نبيه صلى الله عليه وسلم وهن القدوة : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ يعني : اقررن من القرار وهو البقاء وعدم الخروج ؛ لأن ذلك أحفظ للمرأة ، فمهما بقيت في بيتها فهذا أحسن لها ، وإذا اقتضت الحاجة أن تخرج فإنها تخرج ولكن مع التستر .

حتى إن الله – سبحانه وتعالى – يحب من المرأة أن تصلي في بيتها ولا تخرج للصلاة في المسجد مع أن المسجد بيت للعبادة وبيت للطهارة ، ولكن خروجها عرضة للشر ، ولذلك صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ، قال صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وبيوتهن خير لهن أي : صلاتهن في بيوتهن خير لهن من الصلاة في المساجد ، وقال وليخرجن تفلات يعني : غير متزينات وغير متطيبات .

وقد ابتلي كثير من النساء بالخروج ، لا لشيء إلا للتجوال في الأسواق متزينات متطيبات يكشفن وجوههن ، إذا دخلن في المكتبات التجارية إذا دخلن في المعرض تكشف إحداهن وجهها عند العمال وعند الباعة كأنهم من محارمها ، وتتبسط معهم في القول وتمازحهم وتضاحكهم . أين الحياء يا نساء المسلمات ؟ ! أما تتقين الله – سبحانه وتعالى – .

كذلك يجب على المرأة إذا أرادت الخروج أن تلبس الثياب الساترة الضافية التي ليس فيها زينة . الثياب الضافية على جميع الجسم الواسعة التي لا تلتصق بالجسم وتبين الأعضاء .

فثوب المرأة لا بد فيه من مواصفات :

الأول : أن يكون واسعا لا ضيقا .

الثانية : أن يكون ضافيا على جميع جسمها فلا يبقى شيء من جسمها يظهر لا الكفان ولا القدمان ولا شيء من الوجه ، يكون سائرا لجميع جسمها .

الثالثة : أن لا يكون فيه زينة بأن يكون ثوبا عاديا ليس فيه زينة تجلب الأنظار إليها . ولتحذر المرأة المسلمة مما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال صلى الله عليه وسلم : صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا

فقوله : نساء كاسيات عاريات ، يعني : لابسات للثياب لكن هذه الثياب لا تستر ؛ إما لأنها قصيرة لا تضفي على بدنها ، بل تخرج كفاها أو ذراعاها ، يخرج قدماها أو ساقاها ، فعليها اللباس لكنه غير ساتر ، أو تلبس لباسا ضافيا لكنه شفاف لا يستر ما وراءه مثل ما يحصل في البلاد التي لا تلتزم بآداب الإسلام فسرى هذا إلى بعض نسائنا في هذه البلاد إلا من رحم الله عز وجل . فهذه من العوائد الجاهلية ، يقول الله جل وعلا : وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى والتبرج هو : الظهور ، ظهور المرأة بالزينة أمام الرجال ، هذا هو التبرج .

فالمطلوب من المرأة إذا خرجت أن تخرج غير متبرجة ، حتى إن الله – سبحانه وتعالى – نهى كبيرات السن القواعد عن التبرج فقال وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ .

فإذا كانت الكبيرة من القواعد اللاتي لا يطمع في نكاحها لكبرها منهية عن التبرج بالزينة فكيف بالشابة ! فكيف بالجميلة ! كيف بالمرأة التي يطمع فيها ! كيف تتبرج ؟ ! هذا من أمور الجاهلية ؟ فعلى المرأة التي تخاف الله والدار الآخرة أن تتجنب ما يفعله كثير من النساء اليوم من التساهل في الحجاب ، من التساهل في لباس الزينة عند الخروج ، من التساهل في التطيب عند الخروج ومخالطة الرجال والممازحة معهم ، والله تعالى يقول لنساء نبيه صلى الله عليه وسلم فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا .

إذا احتاجت المرأة إلى مخاطبة الرجل الذي ليس من محارمها تخاطبه لكن بكلام معتاد ليس فيه خضوع ولين وممازحة ومضاحكة ، وإنما يكون كلاما عاديا بقدر الحاجة ، سؤال وجواب بقدر الحاجة فقط لا بتبسط ولا بضحك ومزح ولا بترخيم وتزين للصوت ؛ فيطمع الذي في قلبه مرض الشهوة عملا بقوله تعالى : وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا .

فعلى النساء المسلمين اليوم أن يتقين الله – سبحانه وتعالى – في أنفسهن وفي مجتمعهن ، وعلى نساء اليوم كما على نساء المسلمين من قبل العناية بتربية أولادهن وبناتهن ؛ لأنهن مسؤولات عن الأطفال الذين هم في رعايتهن .

عليهن أن يربين بناتهن على الأخلاق الفاضلة وعلى الآداب الحسنة وعلى الستر والعفاف ، قال صلى الله عليه وسلم : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها

فعلى المرأة أن تربي أولادها تربية حسنة ؛ لأن من في البيت من الأطفال في عهدتها وهي مسؤولة عنهم ، كذلك مما حرم الله على النساء تغيير خلق الله الذي تعهد الشيطان أن يأمر به بني آدم وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ .

وقد جاء تفسير ذلك بأن المراد به النمص والوشم والوشر والوصل ، لعن النبي صلى الله عليه وسلم النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة ولعن الواشمة والمستوشمة

أما النامصة : فهي التي تأخذ شعر حواجبها سواء بالمقص أو بالحلق أو بإزالته بأي وسيلة تزيل شعر الحاجب ، هذا هو النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعلته ، والمتنمصة : هي التي تطلب ذلك وهي ملعونة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم . فمن النساء من ابتليت بهذه الجريمة وهي إزالة شعر الحواجب اقتداء بالكافرات أو الفاسقات أو الجاهلات اللاتي لا يبالين بمعصية الله ورسوله ، ثم إذا أزالت شعر الحواجب تأتي بصبغ تضعه في مكانه ، يا سبحان الله ! هل الصبغ أحسن من الحواجب ؟ أحسن مما خلق الله – سبحانه وتعالى – . هذا هو تغيير خلق الله عز وجل ، فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تذهب مع العادات السيئة والتقاليد الفاسدة وتغير خلق الله .

وأما الواشمة : فهي التي تعمل الوشم ، وهو أن تغرز الإبرة في الجلد أو تبضع الجلد حتى تخرج الدم ثم تجعل فيه شيئا من الكحل أو من الصبغ حتى يبقى خط أخضر في يدها أو في وجهها فهذا هو الوشم .

والمستوشمة : التي تطلب ذلك أن يفعل بها ؛ لأن هذا من تغيير خلق الله – سبحانه وتعالى – .

بالله عليكم أيهما أحسن : لون الجلد الذي خلقه الله أو هذا اللون المشوه ؟ . ولكن التقليد الأعمى وطاعة الشيطان في أمره وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ .

والواصلة : هي التي تصل شعرها بشعر آخر ؛ لأن هذا تغرير وغش بأن تأتي بباروكة أو تأتي بشعر وتصله بشعرها حتى يظن الظان أن هذا هو شعرها ، وهو شعر أجنبي ليس من خلقتها ، وهذه الواصلة ملعونة لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة .

وكذلك الوشر : وهو برد الأسنان والتفلج ، لعن النبي صلى الله عليه وسلم : المتفلجات للحسن وهن اللاتي يأتين على أسنانهن فيبردنها بالمبرد ويجعلن فيها شيئا من الفتحات فيما بينها ، تظن أن هذا من الجمال وهو طاعة للشيطان . والوشر حرام ، أما إصلاح الأسنان إذا كان فيها خلل يحتاج إلى إصلاح فلا بأس في ذلك ؛ لأن هذا من العلاج أو من إزالة التشويه أما الأسنان التي ليس فيه عيب وليس فيها مرض فلا يجوز للمرأة أن تحدث فيها شيئا من الوشر أو الفلج أو غير ذلك .

كذلك النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة النائحة : التي ترفع صوتها عند المصيبة .

و لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصالقة والحالقة والشاقة من حديث أبي موسى – رضي الله عنه – بلفظ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من … الحديث . ] : الصالقة : هي التي ترفع صوتها عند المصيبة ، وهو كبيرة من كبائر الذنوب ، قال صلى الله عليه وسلم : النائحة إذا لم تتب قبل موتها تبعث يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب

وكانوا في الجاهلية يستأجرون النائحات عند الموت للميت ، فهذا حرام ، ولكن البكاء على الميت لا بأس به من غير رفع صوت .

والنبي صلى الله عليه وسلم بكى وقال : هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده

أما الحالقة : هي التي تحلق شعرها عند المصيبة ، والشاقة هي التي تشق جيبها أو تشق ثوبها عند المصيبة ؛ لأن هذه كلها مظاهر جزع وسخط بقضاء الله وقدره وعدم صبر .

والمطلوب عند المصائب الصبر والاحتساب ، قال تعالى : وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ .

فالحاصل : أن المرأة عليها مسؤوليات وتبعات في هذه الحياة وهي مكلفة ومأمورة ومنهية ومثابة ومعاقبة ، عليها مسؤولية عظيمة وما هلكت المجتمعات في السابق واللاحق إلا بسبب النساء في الغالب ، فالمرأة وسيلة خطر إذا لم تصن نفسها وإذا لم يصنها مجتمعها ، والكلام عن المرأة يطول . ولكن في هذا القدر كفاية .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

منقول من كتاب محاضرات في العقيدة والدعوة

share

0:00
0:00