حبس الأمطار وحكمة الواحد القهار !

من حكمة الله أن يختبر عباده بالشدة والرخاء، ويمتحنهم خيرًا وشرًا، نعمًا ونقمًا، كما قال سبحانه ( وَنَبْلُوكُم بِالشَّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) [الأنبياء: 35]

وقال ( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشّرِ الصَّـابِرِينَ ) [البقرة: 155].

ومن ابتلاء الله لعباده : حبسُ القطر عنهم ، أو تأخيره ، أو نزع بركته منهم ، مع ما للمطر من المنافع العظيمة للناس والبهائم والزروع والثمار ، وما في تأخيره من كثير من المضار عليهم .

ولا بد أن نعلم : للغيث أسبابًا جالبة وأخرى مانعة ، فهل سألنا أنفسنا ونحن في مواسم الغيث : هل نحن أخذنا بأسباب نزوله ، أم كنا نحن بأفعالنا سببًا في منعه ودفعه ؟!

قال سبحانه : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مّنَ السَّمَاء وَالأرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) [ الأعراف : 96].

فما عند الله لا ينال إلا بمرضاته .

لنحاسب أنفسنا عباد الله ، ألم نقصِّر في تحقيق الإيمان والتقوى ؟!

هل حققنا التوحيد الذي هو حق الله على العبيد كما يحب ربنا ويرضى ؟!

ألم تتسلَّل إلينا مظاهر شركية ، وأخرى بدعية ؟!

ألم نضيع الصلاة المفروضة وهي ثاني أركان الإسلام ، والفارق بين الكفر والإيمان ما ميزانها عندنا ؟! لقد طاش ميزانها عند كثير من الناس إلا من رحم الله تعالى .

وإذا سألت عن أداء الزكاة المفروضة ، فسترى العجب العجاب ؟! فكثير منا من يبخل بها ؟! مع ما عنده من الخير والمال الوفير ، والله تعالى يقول : ( ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء ) محمد : 38 .

مما نزع البركة من الأموال ، وكان سببًا كبيرًا في منع القطر من السماء ، فقد عن جاء بريدة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ما منع قوم الزكاة ، إلا ابتلاهم الله بالسنين ” رواه الطبراني في الأوسط – كما في صحيح الترغيب ( 762) .

وأخرج البيهقي والحاكم وصححه : من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله عليه الصلاة والسلام  قال : ” ولم ينقص قوم المكيال والميزان ، إلا أخذوا بالسّنين وشدة المؤونة ، وجَور السلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم ، إلا ُمنعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ” .

وعلى صعيد الأخلاق والمعاملات ، فقد ظهرت فينا المنكرات ، وعمت عندنا المحرمات ، من ربا ورشوة ، وميسر ومقامرات ، وغش وخداع وكذب وتزوير ، وظلم وعدوان ، وقتل وزنا ، وخمور ومخدرات ، ومجونٌ وفساد ؟!

وصور ماجنة فاسدة ، وأفلام خليعة ، في كثير من القنوات الفضائية الهابطة ، والمواقع  الداعرة على الشبكة المعلوماتية ، وحتى أجهزة الهاتف النقال في جيوب الناس ، لم تخل من هذا الفساد المريع ؟؟!

وزادت مظاهر التبرج والسفور والاختلاط ، حتى ضعفت الغيرة في نفوس كثير من الرجال ، وقل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر – مع أنه سبب خيرية هذه الأمة – ولا حول ولا قوة إلا بالله ؟!

وإذا نظرت إلى الأحوال الاجتماعية ، فعقوق الوالدين منتشر ، وقطيعة الأرحام فاشية ، وهناك مشكلات أسرية معقدة ، وعلاقات اجتماعية مفككة ، وساد كثيرا من القلوب الحسد والبغضاء ، والحقد والضغينة والشحناء ، والتساهل في أداء حقوق الضعفاء من الخدم والعمال ، فإلى الله المشتكى ؟!

ولا شك إن شؤم المعاصي جسيم وخطير ، بعد هذه الذنوب الكثيرة ، والمعاصي العظيمة ، على البلاد والعباد .

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله : ” وهل في الدنيا شرٌ وبلاء ، إلا سببه الذنوب والمعاصي؟! الذنوب ما حلت في ديار إلا أهلكتها ، ولا في مجتمعات إلا دمرتها ، ولا في نفوس إلا أفسدتها ، ولا في قلوب إلا أعمتها ، ولا في أجساد إلا عذّبتها ، ولا في أمة إلا أذلتها ، إنها تقضّ المضاجع ، وتدع الديار بلاقع ، فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أن ما عند الله لا يستنزل إلا بالتوبة النصوح ، يقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : ما نزل بلاء إلا بذنب ، وما رفع إلا بتوبة ” .

اللهم عافانا واعف عنا ، واغفر لنا ذنوبنا ، وإسرافنا في أمرنا ، وكفر عنا سيئاتنا ، وتب علينا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين

share

0:00
0:00