منهج الإسلام في تحسين الأسماء

منهج الإسلام في تحسين الأسماء

طبائع النفوس تُقبل دائماً على كل ما هو حسن وجميل , وتنفر من كل ما هو سيء وقبيح , ومن أوجه الإقبال على الحسن : الاستبشار والتفاؤل بالاسم الحسن الجميل , والذي يقع من قلب السامع موقعاً جميلاً ويُحبب إليه الخير ,وإن مما ابتلي به بعض المسلمين اليوم سوء اختيار أسماء أبنائهم , تلك الأسماء التي أصابها العطب نتيجة للغزو الفكري والثقافي , وروح التغريب التي أصابت بعض ضعاف الإيمان , فصارت أسماؤهم وأسماء أولادهم أسماء أجنبية خالصة , بل تعدت هذه اللوثة التغريبية إلى أسماء الشوارع والمحلات والشركات والمصانع , وإن مما يؤذيك أن تسير في شارع من شوارع عواصم الدول العربية والإسلامية فتقرأ أسماء اللافتات على الشوارع والمحلات فتجدها بعيدة كل البعد عن لغتنا العربية الجميلة , وتلك تبعية وإمعية نهانا الإسلام الحنيف عنها , فقد أمر الإسلام المسلم بأن يكون شامة وعلامة , وأن يكون متميزاً في سمته وخلقه وكذا في اسمه .

من هنا هدف الإسلام الحكيم في دعوته إلى التسمي بالأسماء الحسنة إلى ما يجب أن يسود في المجتمع من حب وتآلف وتفاؤل ؛ لأن العرب في الجاهلية كانوا يسمون أبناءهم بأسماء تنذر بالشر , وتدعو إلى الرهبة والخوف , لذا فقد وجدنا في أسمائهم : \” حرباً \” و\” صخراً \” و\” مرة \” و\” علقمة\” و\” وثاباً\”.

ولقد تأثر بعض المسلمين في صدر الإسلام بما كان عليه آباؤهم فدرجوا على تسمية أولادهم بتلك الأسماء العنيفة , حتى لقد هم علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يسمي ولده \” حرباً \” لكن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن ذلك , عَنْ هَانِىءِ بْنِ هَانِىءٍ ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ:لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ ، جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : أَرُونِي ابْنِي ، مَا سَمَّيْتُمُوهُ ؟ قُلْتُ : سَمَّيْتُهُ حَرْبًا ، قَالَ : بَلْ هُوَ حَسَنٌ ، فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ ، قَالَ : أَرُونِي ابْنِي ، مَا سَمَّيْتُمُوهُ ؟ قُلْتُ : سَمَّيْتُهُ حَرْبًا ، قَالَ : بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ ، فَلَمَّا وَلَدْتُ الثَّالِثَ ، جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : أَرُونِي ابْنِي ، مَا سَمَّيْتُمُوهُ ؟ قُلْتُ : حَرْبًا ، قَالَ : بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ ، ثُمَّ قَالَ : سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ : شَبَّرُ ، وَشَبِيرُ ، وَمُشَبِّرُ.أخرجه أحمد 1/98 (769) و\”البُخَارِي\” ، في \”الأدب المفرد\”823 .

ومنهج الإسلام في نهيه عن التسمي بالأسماء القبيحة لئلا يكون ذلك مدعاة للتنابز بالألقاب والسخرية , وهو ما حذرنا منه المولى سبحانه في كتابه الكريم فقال : \” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) سورة الحجرات.

ومن هنا فقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من أمته تحسين أسمائهم , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَحَسِّنُوا أَسْمَاءَكُمْ . أخرجه أحمد 5/194،تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف لانقطاعه, كما رواه الدرامي 2/292، وأبو داود \”4948\” ،والبيهقي 9/306.

ولقد حبب إلينا صلى الله عليه وسلم بعض الأسماء الحسنة ,فعَنْ عُقِيلَ بْنُ شَبِيبٍ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِىِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ .أخرجه أحمد 4/345 و\”البُخاري\” في الأدب المفرد (814) و\”أبو داود\” 2543.

وكان صلى الله عليه وسلم يتفاءل بالاسم الحسن , ويُعرف ذلك في وجهه عليه الصلاة والسلام , وفي لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق المدينة ولقائه ببُرَيدة الأسلمي، وتفاؤله باسمه وخدمة بريدة إياه ,عن عبدالله بن بُرَيدة، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطيَّر، وكان يتفاءل، وكانت قريش جعلت مائة من الإِبل فيمن يأخذ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم فيرده عليهم حين توجه إلى المدينة.فركب بُرَيدة في سبعين راكباً من أهل بيته من بني سَهْم، فتلقى نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أنْتَ؟» ,فقال: أنا بُرَيدة ,فالتفت إلى أبي بكر الصِّديق فقال: «يَا أبَا بَكْرٍ، بَرُدَ أمْرُنَا وَصَلُحَ» ، ثم قال: «مِمَّنْ أنْتَ؟» قال: مِنْ أَسلم.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «سَلِمْنَا» قال: «ممَنْ؟» قال: من بني سهم.قال: «خَرَجَ سَهْمُكَ (يَا أبَا بَكْرٍ)» فقال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ أنت؟قال: «أَنا مُحَمَّدُ بنِ عبْدِالله رَسُولُ الله» فقال بريدة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.فأسلم بُريدة وأسلم مَنْ كان معه جميعاً. أسد الغابة , لابن الأثير 1/209, ابن الجوزي : الوفا بتعريف فضائل المصطفى 182. وتَأوَّلَ صلى الله عليه سلم سُهولة أمرِهم يومَ الحديبية مِن مجيئ سُهيل بن عمرو إليه.

وعن بريدة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :\” إذا أبردتُم إلىَّ بريدا فابعثوه حَسَنَ الوَجْهِ حَسَنَ الاسمِ \”أخرجه البزار في \” مسنده \” ( ص 242) الألباني في \” السلسلة الصحيحة \” 3 / 182 .

وفي معجم الطبراني عنْ يَعِيشَ الْغِفَارِيِّ، قَالَ:دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بناقَةٍ يَوْمًا، فَقَالَ: مَنْ يَحْلُبُهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ مُرَّةُ، قَالَ: اقْعُدْ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مُرَّةَ، قَالَ: اقْعُدْ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: جَمْرَةُ، قَالَ: اقْعُدْ، ثُمَّ قَامَ يَعِيشُ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: يَعِيشُ، قَالَ: احْلُبْهَا.

معجم الطبراني 16/143.

فالأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها ، لذا فقد اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب ، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها ، فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك ، والواقع يشهد بخلافه ، بل للأسماء تأثير في المسميات ، وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح ، والخفة والثقل ، واللطافة والكثافة ، كما قيل :

وقلما أبصرت عيناك ذا لقب * * * إلا ومعناه إن فكرت في لقبه

قال البقاعي في تفسير قوله سبحانه : \” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) سورة النمل , فجمع إلى حسن الفعل حسن الاسم وقرب النسب .البقاعي : نظم الدرر 6/130.

لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يغير بعض الأسماء القبيحة التي قد يكرهها الناس أو يتشاءمون منها , عن مسلم بن عبد الله الأزدي قال جاء عبد الله بن قرط الأزدي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : أنت عبد الله بن قرط .المسند 4/350 ,تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ ، فَقِيلَ : تُزَكِّي نَفْسَهَا ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ. أخرجه \”أحمد\” 2/430و\”الدارِمِي\” 2698 و\”البُخاري\” 6192 و\”مسلم\” 5658 .

وعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ؛أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ. وَقَالَ : أَنْتِ جَمِيلَةُ.أَخْرَجَهُ أحمد 2/18(4682) و\”البُخَاريّ\” في (الأدب المفرد) 820 و\”مسلم\” 6/172(5655).

وهذه بعض الأسماء التي غيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الأحاديث الصحيحة برة . عاصية . حزن . شهاب . جثامة .

وكان هناك رجل يسمى\”جُعيلاً \” فسماه \” عمراً \” فارتجز بعضهم في ذلك :

سماه من بعد جعيل عمرا * * * وكان للبائس يوما ظهرا

كما كان صلى الله عليه وسلم يكره الأمكِنةَ المنكرةَ الأسماء، ويكره العُبُورَ فيها، كمَا مَرَّ في بعضِ غزواته بين جبلين، فسأل عن اسميهما فقالوا: فاضِحٌ ومُخزٍ، فعدلَ عنهما، ولَم يَجُزْ بينهما.

ولما قَدِمَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم المدينة، واسمها يَثْرِبُ لا تُعرف بغير هذا الاسم، غيَّره بـ ((طيبة)) لمَّا زال عنها ما فى لفظ يثرِب من التثريب بما في معنى طَيبة من الطِّيب، استحقت هذا الاسم، وازدادت به طيباً آخر، فأثَّر طِيبُها في استحقاق الاسم، وزادها طِيباَ إلى طيبها.

عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم، مر بأرض تسمى غدرة، فسماها خضرة . قال الهيثمي في \”المجمع\” 8/51: رواه الطبراني في \”الصغير\” ورجاله رجال الصحيح!.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ ، فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ : جُمْدَانُ ، فَقَالَ : سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ، قَالُوا : وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ.أخرجه أحمد 2/411(9321) و\”مسلم\” 6905 و\”ابن حِبَّان\” 858.

ولئلا يتشاءم المسلمون باسم جبل أُحد الذي انهزم عليه المسلمون وقف عليه ذات يوم وقال : \” هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ\” أخرجه مالك \”الموطأ\” 2599 . وأحمد 3/149و\”البُخَارِي\” 3/110(2235) .

وكما حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على نشر الأسماء الحسنة الطيبة بين الناس , فقد حرص كذلك على نشر الألقاب الحسنة بين الناس ؛ فلقب أبا بكر \” بالصديق \” وعمر \” بالفاروق \” وخالد بن الوليد \” بسيف الله \” . عن مغيرة عن إبراهيم : أن عبد الله كنى علقمة أبا شبل ولم يولد له .قال الشيخ الألباني : صحيح .

كما كنى بعض الكفار بكنى تناسبهم , ومنها تكنيته لأبي الحكم بن هشام بأبي جهل كنية مطابقة لوصفه ومعناه ، وهو أحق الخلق بهذا الكنية ، وكذلك تكنية الله عز وجل لعبد العزى بأبي لهب ، لما كان مصيره إلى نار ذات لهب ، كانت هذه الكنية أليق به وأوفق ، وهو بها أحق وأخلق .

ولا غرو – بعد ذلك – أن نجده صلى الله عليه وسلم يطالبنا بالمناداة على بعضنا بأحب الأسماء , نْ ذَيَّالِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ حَنْظَلَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي جَدِّي حَنْظَلَةُ بْنُ حِذْيَمٍ ، قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ أَنْ يُدْعَى الرَّجُلُ بِأَحَبِّ أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ ، وَأَحَبِّ كُنَاهُ.أخرجه البُخَارِي ، في (الأدب المفرد) 819.

مر بالشعبي يوماً رجل يقود حماراً ،فقال له :ما اسمك ؟قال :وردان.قال :وما اسم حمارك ؟قال :عمران.قال الشعبي :واخلافاه!! .

ومر رجل معه كلب بابن أبي عتيق ،فقال له : ما اسمك ؟ قال : وثاّب.قال : وما اسم كلبك ؟ قال :عمرو فقال ابن أبى عتيق :واخلافاه ،وأنشد :

ولو هيّا له الله * * * من التّوفيق أسبابا

لسمّى نفسه عمراً * * * وسمّى الكلب وثاّبا

الراغب الأصفهاني: محاضرات الأدباء 1/471.

وكان إياسُ بن معاوية وغيرُه يرى الشخصَ، فيقولُ: ينبغي أن يكونَ اسمُه كَيْتَ وكَيْتَ، فلا يكاد يخطئ، وضِدُّ هذا العبور من الاسم إلى مسماه، كما سأل عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه رجلاً عن اسمه، فقال: جَمْرَةُ، فقال: واسمُ أبيك؟ قال: شِهَابٌ، قال: مِمَّن؟ قال: مِنَ الحُرَقَةِ، قال: فمنزلُك؟ قال: بِحرَّة النَّار، قال: فأينَ مسكنُكَ؟ قال: بِذَاتِ لَظَى. قال: اذهَبْ فقد احترق مسكنك، فذهب فوجد الأمرَ كذلك، فَعَبَرَ عمر من الألفاظ إلى أرواحها ومعانيها.ابن القيم : زاد المعاد 2/307.

فالاسم يرتبط بصاحبه ارتباط الروح بالجسد , ولكل من اسمه نصيب , فاحرصوا على الأسماء الحسنة الطيبة تحسن حياتكم وتطيب .

share

0:00
0:00